إلى الكاتبة مايسة سلامة.. الصحراء لم تكن عالة على الدولة ولن تكون

0

بحر الصحراء:

بقلم: سيدي أهل الشيخ

رغم ما أكنه للأخت الكاتبة “مايسة سلامة الناجي” من الإحترام، كونها شابة مثقفة صلبة الخطاب جريئة القلم، لا تخشى في قولها لومة لائم، إلا أنني تفاجأت بآخر مقال لها عنونته بــ “على ود الصحرا.. فلوس الشعب ضاعو بين ميريكان والأفريكان..”، فلم أجد مناصا عن التعاطي مع ما ذرفه مدادها من مغالطات لا تعدو كونها نسجا من الخيال، دون أن تكلف نفسها عناء البحث والتنقيب عن الحقيقة الملموسة في الواقع المعاش على أرض الصحراء التي لم تطأها قدماها قط.

هذه الحقيقة تجدينها ياعزيزتي بين الأزقة وفي المدارس والمستشفيات، وحين تقفين على أنقاض البنى التحتية التي دمرها سوء التدبير، وطالما تغنى بها الإعلام الكاذب على شاشات القنوات الوطنية والدولية، هذه الحقيقة تجدينها بين فيالق المعطلين والمهمشين، بين حملة الشهادات العليا ومن أفنوا السنين في الدراسة وبناء الذات..، وبين من إرتكنو في زوايا الإقصاء والبطالة وعاشوا في غياهب الفشل.

فالصحراء يا عزيزتي لم تكن عالة على الدولة ولن تكون، فلو اطلعت على التقارير الدولية المنجزة من طرف خبراء الإقتصاد والأرقام حول ثروات هذه الربوع لوقفت إجلالا وإكبارا لسكان الصحراء الذين لايزال يعيش أكثرهم في قائمة الإقصاء والنسيان.

الصحراء أيتها المثقفة تنتج ما يقارب 10 ملايين طن سنويا من مادة الفوسفات في مناجم بوكراع أي ما يعادل نسبة %50 من المجموع العام لإنتاج الفوسفات بالمملكة، علما أن أن نسبة الصحراويين العاملين في قطاع الفوسفات لا تتجاوز %30 و نسبة التقنيين فيه لا تتعدى %4، فعن أي “فلوس الشعب تتحدثين..؟”

الصحراء أيتها الكاتبة، تزخر بأجود نوع من الرمال التي يتم تصدير 9.4 مليون  طن منها في السـنة إلى اسبانيا، إلى جانب توفرها على واحد من أطول السواحل الغنية بالثروة السمكية ، وتتربع على أهم و أغنى حوض سمكي في إفريقيا، تقدر مساحته ب 150الف كيلومتر مربع تفوق قدرته الإنتاجية سنويا الـ 10 أطنان في الكيلومتر المربع الواحد، وإمكانية صيد إستيعابية لا تقل عن 2 مليون طن في السنة، ومع هذا لا تتجاوز نسبة العمال الصحراويين أبناء الأقاليم في هذا القطاع %5 من مجموع اليد العاملة، فضلا عن انعدام العنصر الصحراوي في وحدات التجميد ومصانع دقيق وتصبير، وتعليب السمك، فهنا على هذه الأرض توجد مصانع يفوق عدد العاملين فيها 1000 عنصر ومن بين كل  100 عنصر منها عامل صحراوي واحد..، كل هذا دون أن ننسى عائدات الطحالب البحرية التي تدر على الدولة ملايين الأورو،  فعن أي “فلوس الشعب تتحدثين..؟

ليس هذا فحسب فالمنطقة تتوفر فوق هذا كله على مناجم حديد يقارب احتياطها 4.6 مليار طن تتراوح فيها نسبة الفلز الخام مابين %38 إلى %65 و هي ذات قيمة اقتصادية معتبرة، هذا دون ذكر ما تزخر به من المعادن النفيسة كالأحجار الكريمة و النيازك، فضلا عن ما أثبتته الدراسات حول توفرها على كميات كبيرة من الزمرد والياقوت، إضافة إلى مناجم هامة من الملح الذي يصل إنتاجه إلى ما يقارب 2.1 مليون طن في السنة.

ولأزيدك من الشعر بيتا سيدتي، فبسبب كلفة فواتير الطاقة المرتفعة التي لم يعد إقتصاد المملكة قادرا على تحملها، أطلقت الدولة مشاريع طاقة ضخمة لم تعطي ثمارها بعد، كما أعطت الضوء الأخضر لشركات دولية من أجل التنقيب نظرا لما تتوفر عليه الصحراء من احتياطات النفط والغاز والفحم الحجري ، وتركيبتها الجيولوجية التي تضعها في مصاف الأحواض البترولية العالمية، وهذا ما توصلت إليه الشركة الأمريكية * كوسموس اينرجي * سابقا أثناء تنقيبها بمنطقة بوجدور حيث اكتشفت احتياطات واعدة من مادة البترول.

أما عن القطاع الفلاحي فيزيد إنتاجه عن  1.5 مليون طن  في السنة خصوصا إذا تحدثنا عن فاكهة الشمام و الطماطم ذات الجودة العالية، فهنا كذلك تجني الدولة مليارات الدراهم، ومع هذا لازالت ساكنة الصحراء ترضخ تحت وطأة التفقير والتجويع والحرمان.

الصحراء ياسيدتي تعاني من ضعف البنى التحتية، ومع كل زخة مطر ترتفع أسعار المحروقات وتغلو المعيشة، وينقطع الأنترنت وشبكة الهاتف الثابت والنقال، وتعزلنا الوديان عن العالم الخارجي..، بل نفقد أحبابنا وفلذات أكبادنا بسبب نهب الثروة وسوء التدبير، ولعل فقدان عائلات بأكملها قبل شهر في وادي الساقية الحمراء الذي لم يجف ثراه بعد، خير دليل على الإخفاقات السياسية والتجهيزات الوهمية، التي تإن تحت وطأتها أقاليم الصحراء..

فنحن يا عزيزتي مقبرة المجرمين وملاذ الفارين من العدالة، نحن فئران تجارب الأطباء المتدربين، والأساتذة والمعلمين، نحن من تظنون أنا نعيش في رياض الجنان ونسرح في بر الأمان فــ “اللهم اجعلنا فوق ما يظنون و اغفر لنا في ما لا يعلمون”

هل تعلمين ياسيدتي أن في هذه الربوع من لا يُأمّن قوت يومه ولا يُأمّن قوت غده، رغم صادرات أرضه  والمداخيل الطائلة التي تدرها على خزينة الدولة؟، هل تعلمين أن هناك مدن شمال المملكة شُيّدت من خيرات الصحراء؟ هل تعلمين أنك مخطئة في تصورك اتجاه الصحراء وأهل الصحراء؟، الصحراء ياسيدتي فيها من الموارد ما ليس في دول الخليج..، فكفاكم استغباءا لعقول الناس.

وأخيرا ندعوك لزيارة قصيرة لهذه الأرض علّها تغير نظرتك الخاطئة، وتضحد أكاذيب الأبواق الدعائية التي لا هم لها سوى رسم صورة سلبية عن ساكنة الصحراء.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6) ﴾

( سورة الحجرات)

ففي الصحراء يا عزيزتي أمة غنية النفس، تصون العهد والعروبة و الإسلام، بالتسامح والود والمحبة الخالصة، لكنها تعاني الحرمان وسوء التدبير.. فكفاكم تحاملا عليها، وكفاكم سباحة عكس التيار وبوصلة الزمن.

وافر الود..!!

Leave A Reply

Your email address will not be published.