أخبار بحر الصحراء: نوستالجيا.
في ال31 ماي من سنة 1997 تم العثور على جثة ملفوفة في كيس بلاستيكي أسود، وعندما تم الكشف عن هذه الجثة تبين أنها لواحد من الوجوه النقابية المعروفة في
أوساط البحارة. يتعلق الأمر بعبد الله موناصير الذي تحول مع مرور الأيام إلى أيقونة النضال النقابي داخل الميناء بنكهة يسارية، حيث تقول الرواية المنسوبة إلى عائلته إنه اختطف يوم 27 ماي بمدينة آيت ملول وبعد أربعة أيام ظهرت جثته بحوض ميناء أكادير، كما أنه حسب الرواية ذاتها كان موضوع مراقبة وتتبع من طرف الأجهزة الأمنية خلال الأشهر التي سبقت حادث وفاته. ومن بين التفسيرات التي قدمت لأسباب وفاته وقوفه في وجه من وصفوا ساعتها بمافيات ميناءأكادير، حيث تم اعتقال أربعة نقابيين من الاتحاد العام للشغالين وضم محضر الشرطة القضائية أزيد من 500 صفحة.
جنازة مهيبة وغير مسبوقة تلك التي سارت خلف الوجه النقابي المعروف بميناء أكادير عبد الله موناصير، حيث إنه وفور إعلان خبر وفاته تحركت حشود من البحارة بشكل عفوي من أحد معامل التصبير بمنطقة أنزا نحو مقر الكونفدرالية الديمقراطية للشغل ثم بعد ذلك نحو بيت أسرته.
بعدها تجندت عائلة كل من عبد الله موناصير، وعائلات المتهمين بقتله، بمعية نقابة البحارة للتشهير بالجريمة محليا ودوليا، وناضلوا من أجل إطلاق سراح المتهمين، وإجراء بحث نزيه..وشهدتأكادير احتجاجات شعبية طيلة صيف 1997، مطالبة بالحقيقة وبتبرئة المتهمين على خلفية هذا الملف، حيث وضعت نقابة البحارة في إضراب 1998 إطلاق سراح المتهم الرئيسي وإسقاط المتابعة عنهم جميعا على رأس مطالبها. انطلق إضراب بحارة الجنوب من 24 سبتمبر 1998، وتقرر تمديده إلى 18 نوفمبر. وبالنظر إلى التأثير الكبير للإضراب على حركية الموانئ الرئيسية بالجنوب، تم فتح حوار مع النقابة أفضى إلى توقيع اتفاق 6 نوفمبر 1998. وقد سبق تلك المفاوضات تحقيق المطلب الأول للإضراب بالإفراج عن المعتقلين الخمسة يوم 6 أكتوبر 1998 لتدخل القضية في متاهات وغموض جديد.
ولد عبد الله موناصير، الذي لازال حادث وفاته لغزا محيرا سنة 1959، هاجرت أسرته من آيت تامر شمال مدينة أكادير وخرج للعمل في الصيد البحري وعمره لا يتجاوز ال 16 سنة، بعد أن غادر المدرسة في مستوى الخامس ابتدائي، حيث بدأ مشواره النقابي في نقابة القوات العمالية المغربية سنة 1978، بحكم نشأته بحي أنزا القريب من معمل اسمنت أكادير ووحدات صناعية عديدة لتصبير السمك، ومعمل زيوت، وميناء أكادير. هذا الحي الذي يتميز بكون أغلب سكانه من قاطني دور الصفيح.
كانت أولى صلاته بالعمل النقابي في ميناء أكاديرسنة 1985 عندما تم تأسيس نقابة بحارة الصيد بأعالي البحار، حيث انصب اهتمامه على رصد أوضاع العاملين بهذا القطاع الذي كان في بداية تطوره بميناء أكادير، وخلال سنة 1990 انضم إلى صفوف الكونفدرالية الديمقراطية للشغل وكانت له صلات مباشرة بالتجربة النقابية بشركة أومنيوم المغربي للصيد، منذ نشأتها سنة 1993، حيث كان يتعاون مع مناضليها. أصدر كراس أكادير النقابي (1996)، ونشرة البوصلة، وكان يمضي وقته في توزيع العديد من المناشير النقابية بمختلف القطاعات.
أسس نقابة بحارة وضباط الصيد بأعالي البحار تحت لواء الكونفدرالية الديمقراطية للشغل– سنة 1993. المقربون إليه والذين عاشوا معه فترات النضال النقابي يقولون إنه كان له خلاف مع الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والذي تحول فيما بعد إلى خلاف مع السلطة لينتهي الأمر بطرده من الكونفدرالية، وعندما عرض الأمر على نوبير الأموي أجابه «دارو فيك خير» لأنه هو أيضا كان يريد أن يتم طرده ليستريح.
الشهادات التي قدمها مجموعة من المقربين منه تجمع على أنه تعرض للاضطهاد داخل النقابة بمنعه من توزيع المناشير والنشرات النقابية وحضور الاجتماعات. كما تعرض للضرب من مسؤول نقابي يوم فاتح ماي 1994، لأنه أحرق العلمين الإسرائيلي والأمريكي. إلى أن تقرر طرده بموافقة المكتب التنفيذي للكونفدرالية .د.ش، فتطورت تجربته النقابية بين بحارة الصيد الساحلي حول مشكل التعاضدية وعبأ مجموعة من البحارة، وقاموا بتأسيس إطار جديد تحت لواء الاتحاد المغربي للشغل. حيث قام بإنجاز استمارات مع البحارة، تم نشر نتائجها بجريدة الأنوار بتاريخ 25 مارس 1997، بعنوان «اتحاد البحارة هو الطريق لحماية مكاسبهم»، كما كان عضوا نشيطا باللجنة التي تشكلت لمحاسبة رئيس التعاضدية، حيث تعرض لمضايقات وصلت حد منعه من دخول بناية ولاية أكادير.