اخبار بحر الصحراء: الداخلة بوست.
تقریر / المركز الاطلسي الصحراوي للدراسات الاستراتیجیة و الأبحاث حول الساحل و الصحراء
للتذكیر, فجمیع لوائح الامم المتحدة و مواثیقھا, تعترف للشعوب الأصلیة قانونیا بأحقیتھا في امتلاك ثرواتھا. ھذا دون نسیان الرأي الاستشاري و القانوني, الذي أصدره المستشار القانوني للأمم المتحدة “ھانس كوریل” سنة 2002 , والذي خلص من خلالھ إلى أن استغلال ثروات “الصحراء الغربیة” دون استشارة شعبھا یعد انتھاكا للقانون الدولي ، و أخیرا و لیس أخرا, قرار محكمة العدل الأوروبیة الصادر مؤخرا, و الذي قضى بأن جمیع اتفاقات الشراكة بین الاتحاد الأوروبي و المغرب لا یمكن أن تطبق على الصحراء, و بأن أي استثمار أو استغلال لتلك الثروات یجب أن یكون بقبول ورضى الصحراویین.
قرابة 300 نوع من الأسماك تستنزف من الشواطئ الصحراویة
تستنزف الأساطیل البحریة الثلاثة (التقلیدي-الساحلي-أعالي البحار) الناشطة في بحار المنطقة, قرابة ملیوني طن سنویا, من الثروات البحریة من الساحل الصحراوي، البالغ طولھا 1400 كیلومتر ومساحتھا 55100 كیلومتر مربع، والذي یوصف بأنھ من أغنى الأحواض السمكیة في العالم، حیث یوفر قدرة إنتاجیة متجددة تقارب ملیوني طن من الأسماك سنویا، وتشكل الأسماك السطحیة النسبة الأكبر من الثروة البحریة للصحراء, التي توصف بالغنى والتنوع، حیث تضم المـیاه الإقلیمیة الصحراویة أكـثر من 200 نوع من الأسـماك المـختلفة و71 صنفاً من الرخویات و14 نوعاً من رأسیات الأرجل، بالإضافة إلى القشریات والصدفیات وغیرھا.
في المقابل لا یورد المكتب الوطني للصید، صورة كاملة عن حجم الاستنزاف الذي یمارس في المیاه الإقلیمیة للصحراء ، لأنھا لا یغطي إلا الصید الساحلي والصید التقلیدي، في حین تبقى نسبة الصید في أعالي البحار والذي یستحوذ على النسبة الأكبر من قیمة الاستثمار في الصید البحري غیر معروفة، كما أن السفن الأجنبیة العملاقة التي تمارس الصید في المیاه الإقلیمیة الصحراویة لا تفرغ صیدھا في الموانئ الصحراویة، مما یجعل كمیات صیدھا غیر معلومة للإدارة المغربیة نفسھا، أما العدد الكبیر من السفن المغربیة التي تنشط في المیاه الصحراویة یتوجھ لتفریغ صیده في مینائي أغادیر والطنطان، حیث توجد الشركات التي تتبع لھا.
ویرى الكثیر من المتتبعین والناشطین الحقوقیین في مجال حمایة الثروة البحریة، أن التقلیل من الأرقام المتعلقة بحجم الصید في المیاه الإقلیمیة الصحراویة مقصود، فمثلاً یورد تقریر المكتب الوطني للصید لسنة 2001 أن جھة وادي الذھب لم تساھم إلا بـ 7.3 بالمائة، وھي بذلك أقل مرتین من مساھمة جھة سوس- ماسة – درعة وأقل بـأكثر من ثمان مرات من مساھمة جھة كلمیم- السمارة، وأبسط العارفین بالخریطة الصیدیة للمنطقة، یعرف أن منطقة وادي الذھب تمتلك ما لا یقل عن 60 بالمائة من الموارد السمكیة للصحراء والمغرب معاً، وكمثال على حجم الصید في ھذه المنطقة أنھ خلال الفترة ما بین 19 أفریل إلى 19 ماي 2013 استقبل میناء الداخلة (المیناء الرئیسي لمنطقة وادي الذھب) 101 سفینة صید، شأنھا في ذلك شأن تناقض الأرقام الصادرة عن المكتب الوطني للصید، مع الأرقام المسجلة میدانیا في الموانئ ونقاط التفریغ الصحراویة، فمثلاً تقدر إحصائیاتھ لكمیة الأخطبوط المصطادة سنة 2012 بـ25.127 طن، بینما تقدم الأرقام المیدانیة 55.642 طن, وھو ما یفوق الضعف.
وذھب كثیرون إلى أن الأراضي الصحراویة تسند فیھا المراقبة والتفتیش للجیش المغربي، ما یجعل جزءا معتبراً من الصید البحري الممارس من طرف القطع التابعة لبعض كبار الجنرالات والقادة الأمنیین یقع خارج كل تغطیة، فواقع الفساد والرشوة الذي ینتشر في قطاع الصید البحري، یمكن من التلاعب في الإجراءات المتخذة في توزیع الرخص، مراقبة الحصص، عملیات التفریغ، الوزن والتفتیش وغیرھا، مما یفقد الأرقام المقدمة الكثیر من مصداقیتھا، كما تم تسجیل انتشار الصیادین السریین -الوافدین من مدن
“داخیل” المغرب- في المیاه الإقلیمیة الصحراویة، والذین لا یحملون رخصاً للصید ولا تراقب المؤسسات الحكومیة نشاطاتھم، خاصة في قطاع صید الرخویات التي تدر دخلا كبیرا مقارنة بباقي الأصناف.
نصف المخزون العالمي من “فقمة الراھب” یتمركز فـي الصحراء
في سیاق متصل تقدر الثروة السمكیة الصحراویة القابلة للاستغلال بحوالي ملیوني طن سنویا، إذ یتشكل المخزون السمكي من عدة أصناف، أھمھا: الأسماك السطحیة، الأسماك البیضاء، الرخویات، الأصداف والقشریات، فضلا عن وجود بعض الأنواع النادرة، كحیوان الفقمة الراھب المھدد بالانقراض، الذي تحتفظ الصحراء بواحدة من مستعمراتھا أي مایعادل نصف المخزون العالمي.
لكن منذ سنوات باتت المنطقة عرضة لمخططات ممنھجة لاستنزاف الثروات الطبیعیة الصحراویة، وبخاصة الثروة السمكیة ،دون المبالاة بواقع السكان الصحراویین الذین یعیشون الفقر والبطالة والتھمیش الممنھج، ولا بحالة البنى التحتیة للمنطقة، فعلى سبیل المثال یعتبر المغرب، أن أحسن سوق لبیع السمك تابع للمكتب الوطني للصید ، من حیث توفره على كافة التجھیزات والمواصفات التقنیة المطلوبة، ھو سوق مدینة العیون الذي تبلغ مساحتھ 8600 م²؛ تكلف بناء ھذا السوق بالخرسانة 40 ملیون درھم، بینما الأسواق المغربیة الأقل منھ مساحة كمیناء أكادیر مثلا، الذي تبلغ مساحة 7000م² ،بني بالحدید والألمنیوم ومعدن الإینوكس وتكلف بناءه 70 ملیون درھم، أضف إلى ذلك أنھا قد ھدم جزأ مھما من المیناء وتحدیدا الجزء الشمالي منھ، وھي عبارة عن منصة للرصیف، تعد أول رباعیات الأرجل صنعت في العالم من طرف الاستعماري الاسباني.
حرمان الصحراویین من الاشتغال في قطاع الصید البحري
نادر ھم الصحراویین الذین یمتلكون بواخر لصید الأسماك، رغم أن عدد البواخر الناشطة في المجال بلغت 700 باخرة، وتمارس ھذه السفن صید السردین كما تصطاد الأنواع السمكیة الثمینة, رغم أنھا تحمل رخصة صید السردین فقط، حیث یعمل في كل باخرة من ھذه البواخر 49 بحاراً، وعلى الرغم من أنھا تمارس نشطاھا بشكل رئیسي على السواحل الصحراویة، فإن العمال الصحراویین على متن ھذه البواخر یعدون على رؤوس الأصابع.
أما المراكب العاملة في الصید بالبحر، فتصل إلى 290 مركبا (2010 ) مزودة بنظام تجمید على ظھر المركب، الأمر الذي یمكنھا من الإبحار لفترات قد تصل إلى 50 یوماً، ولا یملك أي صحراوي رخصة ولا باخرة واحدة في ھذا النوع من الصید، أضف إلیھا عدد السفن التي تنشط في صید أعالي البحار بالصحراء، غیر محدد بدقة ویفوق في أقل التقدیرات 600 سفینة.
أوروبا، روسیا، كوریا متواطئة لنھــب السمــك الصحــراوي
ظلت المیاه الإقلیمیة الصحراویة مسرحاً لنشاط الأساطیل الأجنبیة منذ عشرات السنین، وقد شھدت المنطقة تنافس الأساطیل الاسبانیة، الروسیة، الكوریة والیابانیة وغیرھا، في ضل غیاب تام لمراعاة مصالح وحقوق الساكنة الأصلیة، ومنذ مدة أصبحت الدولة المغربیة تحصل على عائدات مالیة ضخمة من رخص الصید، التي تمنحھا للأساطیل الأجنبیة التي تمارس نھب واستنزاف الثروات البحریة للصحراء، مخلفة أثاراً اقتصادیة وبیئیة عمیقة، نتیجة للتدمیر الواسع الذي یخلفھ نشاط البواخر الدولیة العملاقة في المنطقة، وقد بلغت البواخر الأوروبیة المسموح لھا بالصید في المیاه الإقلیمیة الصحراویة حسب الاتفاق المغربي مع الاتحاد الأوروبي، 119 باخرة منھا 100 من اسبانیا، 14 من البرتغال، 4 من فرنسا، 1 من ایطالیا، مقابل 144.4 ملیون أورو یدفعھا الاتحاد الأوروبي للخزینة المغربیة، في وقت یستفید فیھ المغرب من عائدات التراخیص والمقدرة بـ28 ملیون أورو سنویاً، ویسعى لرفعھا إلى 38 ملیون أورو سنویاً، أما البواخر الروسیة، فتحددھا الاتفاقیة الروسیة -المغربیة للصید بـ10 بواخر عملاقة تنتمي إلى ثلاثة
شركات روسیة، في حین تقدر المصادر الحقوقیة عددھا بحوالي 23 باخرة، في حین تمارس عددا من السفن اللیتوانیة الصید الغیر شرعي في المیاه الإقلیمیة الصحراویة بترخیص من الحكومة المغربیة، وقد سجل حضور أربع بواخر من لیتوانیا تنقل الكمیات المصطادة إلى مصانع الشركة في بلدھا الأم، مع بقاء سفنھا في المنطقة لاستمرار نشاطھم في نھب الثروة السمكیة الصحراویة، أضف إلیھا البواخر الأجنبیة غیر محددة الانتماء، لكونھا تحمل أعلام بلدان غیر بلدانھا الأصلیة والتي تصل إلى العشرات.
كما یعتقد النشطاء الحقوقیین في مجال مراقبة وحمایة الثروة السمكیة الصحراویة, أن عدداً من البواخر التي تحمل العلم المغربي وتمارس الصید في المیاه الإقلیمیة الصحراویة، ھي مجرد واجھات لرؤوس أموال واستثمارات خارجیة خاصة من دول الخلیج العربي.
تضاعــف الاستنزاف بـ 300 بالمائـــة والبیــئة فـــي خانـــة الخطـــر
بعد إنھاك المصائد التقلیدیة في المغرب، روسیا، الیابان وأوروبا، شھد العقود الأخیرة تدفق آلاف السفن والبواخر والقوارب العاملة في میدان الصید البحري على المیاه الإقلیمیة الصحراویة، في ظل فوضى عارمة وفي غیاب كل سیاسة أو تخطیط – باستثناء تلك التي تجلب المزید من العائدات- دون مراعاتھا لأبسط شروط التنمیة المستدامة، وقد بلغت ھذه الموجة ذروتھا خلال العقدین الأول والثاني من القرن الحالي ومازالت في تزاید مستمر.
وقد أدى ھذا الصید الاستنزافي الجائر إلى حصول كارثة بیئیة، أشار إلى جانب منھا ”المعھد الوطني المغربي لبحث الموارد السمكیة“ سنة 2003 ،حیث أكد على انخفاض في الإنتاج البحري بالنسب التالیة: الأخطبوط – 50بالمائة، الحبار – 78بالمائة، الانخفاض العام للصید بالشباك الكبیرة (صید الأعماق) وصل إلى 66 بالمائة، وصناعة التبرید سجلت انخفاضا یقدر بـ 53بالمائة، بسبب تدھور حالة رأسیات الأرجل. وفضلاً عن الاستنزاف الناتج عن الإفراط في الصید البحري، فإن الكثیر من العوامل تضاعف حجم الضرر، على غرار عدم احترام الراحة البیولوجیة التي تمكن المخلوقات البحریة من التكاثر الطبیعي واستكمال دورة حیاتھا، إضافة إلى عدم الالتزام بالأنواع والكمیات المحددة في رخص الصید، بحثاً عما ھو أثمن حتى لو كان مھددا بالانقراض، وضعف الرقابة في ھذا الشأن، وسھولة التحایل علیھا باستعمال الرشوة أو الاستفادة من النفوذ، مع استعمال الشباك المخالفة للمعایر الدولیة التي تصطاد صغار السمك، الأمر الذي یخل بدورة حیاة الأنواع البحریة.