رصد لبعض عوامل أزمة قطاع الصيد البحري بالمغرب

0

بحر الصحراء : التنمية

في ظل التحولات العامة التي عرفها الاقتصاد الوطني، وما صاحب ذلك من تطورات متسارعة مست بنية غالبية القطاعات الإنتاجية، خاصة وان الاقتصاد الوطني عرف مراحل تطور وفتور، انعكست أثارها على القطاعات الحيوية، وبشكل خاص القطاعات ذات الأهمية الحيوية في العملية الإنتاجية، ومن جملة هذه القطاعات نجد قطاع الصيد البحري، إذ يشكل هذا الأخير والأنشطة المرتبطة به دعامة أساسية في الاقتصاد الوطني،فواجهة المغرب البحرية المتوسطية منها والأطلسية تفوق 3500 كلم، وتتواجد بها ثروات بحرية تتجاوز 850 نوعا من الأسماك والمنتوجات البحرية. في مقابل ذلك يساهم هذا القطاع في تشغيل حوالي (25%) من نسبة اليد العاملة العاطلة، إذ بلغ عدد العاملين بالقطاع قرابة 300 ألف عامل، وفاقت قدراته الإنتاجية 914000 طن، أي ما يعادل 4.67 مليار درهم، وذلك بحصة استثمارية إجمالية تقدر ب900 مليار درهم. و رغم ارتفاع قدراته الإنتاجية، ومساهمته المتميزة في الاقتصاد الوطني، إلا أن ما يعانيه من أزمات متكررة، تنعكس لا محالة على وضعية اليد العاملة بكل فروعه الإنتاجية، وعلى إنتاجية المقاولة البحرية، ومرد هذه الأزمات بالأساس لعدة عوامل يمكن اختصار أهمها في الآتي:

سوء التدبير:

إذ أن سياسة التسيير والتدبير التي انتهجتها غالبية الحكومات المتعاقبة، لم تفلح في إخراج القطاع البحري من الأزمات التي يعاني منها منذ إحداث الوزارة الوصية وإلى يومنا هذا، فسوء التدبير انعكست أثاره السلبية على معظم الإدارات والمؤسسات التابعة لها، وفي ظل هذا الوضع لازال هذا القطاع يعيش حالات تعتيم وعدم وضوح في تدبير معظم القضايا العالقة وأهمها الملف الاجتماعي، وما تطرحه الوضعية السوسيواقتصادية لليد العاملة البحرية من إشكالات كبرى، لازالت عالقة إلى يومنا هذا.

الثروة السمكية وإشكالية الاستغلال غير العقلاني:

إن مستقبل الثروة السمكية الوطنية أصبح في خطر محدق، ويرجع ذلك أساسا إلى الاستغلال العشوائي من طرف الأساطيل الوطنية والأجنبية على حد سواء، وما تستعمله هذه الأساطيل من أدوات صيد (شباك سرطانية، شباك جارفة، خراطيم، مفرقعات، وأضواء كاشفة…) مدمرة للثروة السمكية. وفي مقابل ذلك ينعكس هذا الاستغلال العشوائي للثروات البحرية سلبا على الاقتصاد الوطني، ومن ثم على وضعية اليد العاملة البحرية، التي تعاني الأمرين نتيجة تقلص الثروة السمكية في المياه الإقليمية، وبالتالي تصبح في بطالة قد تكون دائمة أو نصف دائمة. وإجمالا فإن الثروة السمكية هي خزان الأمان الذي يعول عليه لاستمرارية هذا القطاع الحيوي، وكلما تقلصت ازداد حجم البطالة في صفوف الفئات النشيطة، وانعكس ذلك على معدل الفقر وسط غالبية فئات المجتمع، لدا أصبح من الضروري التفكير في استغلالها استغلالا عقلانيا بعيدا عن التفريط في الصيد غير المقنن، وهذا له انعكاس سلبي على القطاع البحري ككل.

المواني البحرية وضعف بنياتها:

تلعب المواني البحرية دورا هاما في تحريك عجلة الاقتصاد البحري ومن ثم الاقتصاد الوطني، وذلك عن طريق تسويق الثروة السمكية داخل وخارج الأسواق الوطنية. إلا أنها تعاني جملة من المشاكل لعل أهمها إشكالية الاكتظاظ وضيق المساحات وتلوث الأرصفة والأحواض، وافتقارها إلى المرافق الضرورية من قبيل مراكز التخزين والتبريد والمداومة الأمنية وأقسام العلاج والإسعافات الأولية وسيارات الإسعاف وغيرها. وهذه المشاكل وغيرها لا شك تنعكس على فعالية هذه المواني، وهو ما يؤثر سلبا على دورة العمل البحري ككل، وبالتالي على وضعية اليد العاملة البحرية.

ضعف وعتاقة الأسطول البحري:

إن الأسطول البحري هو الدعامة الأساسية لقطاع الصيد البحري، وبدونه لا يمكن رسم السياسة البحرية الوطنية. لاسيما وأن هذا الأسطول يعاني من ضعف وعتاقة بنياته الإنتاجية، وتقادم معظم وحداته وضآلة أعدادها مقارنة مثلا مع أساطيل الدول التي تربطها والمغرب إتفاقيات ثنائية في مجال الصيد البحري. فأصبح ملحا إعادة عصرنة وتحديث هذا الأسطول الذي يعتبر أداة فعالة لاستخراج الثروة السمكية، وبدون أسطول متين وفعال لا يمكننا الحديث عن قطاع بحري باستطاعته المساهمة بقوة في الاقتصاد الوطني.

المقاولة الصناعية البحرية وإشكالية التطور:

تعاني المقاولة الصناعية البحرية كباقي مكونات القطاع البحري من عدة عوائق بنيوية، ويأتي في طليعتها مشكل التموين وما يخلفه من انعكاسات سلبية على استمرارية هذا النسيج الصناعي، بالإضافة إلى سياسة سوء التدبير، وانعكاساتها الجوهرية على مكانة هذه المقاولات ليس فقط على المستوى الوطني، وإنما أيضا على المستوى العالمي. إن هذه المقاولات في حاجة ماسة إلى تحديث كل هياكلها التنظيمية والتسييرية، وإعادة هيكلة كل بنياتها، وتصحيح علاقتها مع محيطها الخارجي، وخاصة علاقتها بالتنظيمات الإدارية سواء كانت عمومية أو خاصة. إن أزمة القطاع البحري تلقي بظلالها على المقاولات البحرية باعتبارها أداة فعالة لتحويل وتثمين الثروة السمكية، وعاملا أساسيا لخلق القيمة المضافة المدعمة لإنتاجية هذا القطاع الحيوي.

الملف الاجتماعي وانعكاساته على اليد العاملة البحرية:

إن سياسة سوء التدبير ظهرت تجلياتها بشكل واضح في معالجة الملف الاجتماعي لليد العاملة البحرية، إذ يشكل هذا الملف أساس أزمة القطاع البحري، رغم كل القوانين والمشاريع المتعاقبة التي تبنتها الوزارة الوصية في هذا الشأن، ولعل آخرها مشروع الضمان البحري، إلا أنه لم يلق إقبالا من طرف غالبية رجال البحر. إن مقاربة الملف الاجتماعي من منظور سوسيولوجي تحيلنا على تشخيص وضعية اليد العاملة البحرية، ومدى تأثير السياسات العمومية المسطرة في هذا الشأن على واقعها المعيشي، وتكريس وضعية طبقية تظهر معالمها بجلاء من خلال توزيع اليد العاملة بين مختلف فروع الصيد( الصيد التقليدي- الصيد الساحلي- الصيد في أعالي البحار- صناعة الصيد). هذه العوامل وغيرها تبين بعض مظاهر أزمة قطاع الصيد البحري، ومدى انعكاساتها العامة على كل مكونات هذا القطاع الحيوي، ولعل أهمها إشكالية الملف الاجتماعي، وارتباطها بالواقع السوسيواقتصادي لليد العاملة البحرية، لاسيما وان هذه الإشكالية تمثل جوهر الخلل الذي يشكو منه القطاع البحري ككل. وفي اعتقادنا الراسخ أن كل الفاعلين كيفما كانت انتماءاتهم، أصبحوا يعون مدى الأهمية الإستراتيجية لهذا القطاع في إنتاجية الاقتصاد الوطني، خاصة في ظل تدهور القطاع الفلاحي في الفترات الأخيرة. وفي المقابل أصبحت وضعية رجال البحر تشكل مثار اهتمام ليس فقط الفاعل الإداري، وإنما أيضا كل تنظيمات المجتمع بمختلف تلاوينها. إن الوقت قد حان لكي نزيح النقاب عن واقع اليد العاملة البحرية، وان نتجاوز كل الخلفيات الإيديولوجية التي تبعدنا عن الاهتمام بأوضاع هذه الفئة من المجتمع المغربي، وما تعانيه من فقر وحرمان، رغم ما تجلبه سواعدها القوية من ثروات بحرية ذات قيمة عالية. إننا أمام إشكال اجتماعي وجب على كل الفاعلين الوقوف على تفاصيله الدقيقة، لعلنا نخرج بهذا القطاع من أزماته المتكررة، والتي بدون شك لها تأثير سلبي على كل فروعه الإنتاجية، وبشكل خاص على الطبقة العاملة، التي تشكل الأداة الفعالة لاستخراج وتثمين الثروة البحرية، وبدونها لا يمكننا الحديث عن قطاع اسمه الصيد البحري.

مليخاف سالم

Leave A Reply

Your email address will not be published.