أصدرت جمعية أطاك المغرب دراسة جديدة حول نظام السلفات الصغيرة بالمغرب بعنوان “نظام القروض الصغرى: فقراء يمولون أغنياء”، تطرقت فيه إلى أثر السلفات الصغيرة على الفقراء، ودورها في زيادة فقرهم مقابل ضخ أرباح كبيرة في حسابات الأقلية الغنية.
وفند البحث الذي أجرته الجمعية الخطاب الرسمي الذي يروج بأن قطاع التمويل الأصغر بالمغرب يساهم في تقليص الفقر من خلال “تمويل مشاريع صغيرة مدرة للدخل” ومحفزة لخلق فرص الشغل لصالح الفقراء.
وبنيت الدراسة التي اعتمدت على بحث ميداني هم ضحايا القروض الصغرى وأكدت خلاصاته بأن السلفات الصغيرة ليست سوى أداة لتكريس التفاوتات الاجتماعية وإغناء الرأسمال الكبير المالك للرأسمال المالي.
واعتمدت الجمعية في بحثها على عينة من 85 حالة، 34 ذكور و 42 من النساء، وتبين أن 34 في المائة ممن شملهم البحث هم في وضع بطالة، في حين يشتغل 19 في المائة منهم لحسابه الخاص، فيما يحتل العمل الهش مكانة مهمة بنسبة بلغت 22 في المائة من المستجوبين.
ويمكن تقدير المستجوبين الذين لا يتوفرون على مداخيل قارة ومنتظمة بنسبة 70 في المائة، ما يطرح سؤالا حول ما مدى أهمية وجدوى اقتراح قرض على شخص ليست له موارد ولا القدرة على الأداء؟
تحقيق غايات القروض
وينبغي على الغالبية العظمى من الذين استجوبتهم الجمعية تسديد الأقساط كل شهر، وبعد شهر فقط من الحصول على السلف، وهو ما اعتبرته الجمعية مهلة قصيرة جدا لا تسمح بتطوير نشاط مهني على نحو كاف لتحقيق أرباح، ولا بأن تؤمن في آن واحد نفقات الحياة اليومية وأداء السلف.
وكانت نتيجة هذه القروض أن نسبة 75 في المائة من المستجوبين لم تكن قادرة على مواصلة نشاطها المهني الذي شرعت فيه بفضل سلف صغير.
وترجع أسباب الفشل بحسب البحث، إلى غياب متابعة المشروع، ومعدل الفائدة البالغ الارتفاع، وقصر المدة قبل البدء في تسديد القسط الأول، وأخيرا لمبلغ السلف الغير كاف.
الأسس القانونية لعدم شرعية عقود السلفات الصغيرة بالمغرب
أشارت الجمعية في بحثها الميداني إلى أن مؤسسات التمويل الأصغر تحتكر سلطة مطلقة في تحديد شروط عقود السلفات الصغيرة، التي ليس أمام الزبائن سوى قبولها، لأن السوق البنكية تشترط ضمانات بنكية لا يتوفرون عليها.
فبحسب الدراسة فإن أغلب العقود لا تحترم شروط الرضا المنصوص عليها في قانون الالتزامات والعقود، وسردت الجمعية أمثلة على ذلك من قبل الرضا الناتج عن التدليس، بحيث يتم كثمان الشروط التي يتضمنها العقد، وإخفاء معدل الفائدة الفعلي، والرضا الناتج عن الإكراه.
كما أن مؤسسات التمويل الأصغر بحسب البحث تستغل حاجة المدين أو ضعف إدراكه أو نقص تجربته.
وأشارت الدراسة إلى أن معدل الفائدة المتوسطة السنوية الذي تفرضه مؤسسات السلفات الصغيرة يتراوح ما بين 25 و30 في المائة على أقل تقدير، في الوقت الذي لا يتجاوز هذا المعدل 7 في المائة بالنسبة للقروض الاستهلاكية التي تقدمها البنوك.
كيف تمول الأغلبية الفقيرة الأقلية الغنية؟
رغم أن الطرح الرسمي يعتبر أن نشاط مؤسسات التمويل الأصغر وسيلة فعالة للمساهمة في تقليص الفقر، إلى أن جمعية أطاك المغرب اعتبرت ذلك مجرد تمويه لدورها الحقيقي والمتمثل في ضمان أربح المستثمرين الماليين. فمنذ دخول هذه المؤسسات إلى المغرب ظلت تفرض على زبنائها من الفقراء أداء فائدة سنوية لا تقل على العموم عن 33 في المائة مقابل الاستفادة من خدماتها.
وبالتالي فإن الفقراء هم من يمول مؤسسات السلفات الصغيرة، بحيث أنه مقابل كل 3 مليار درهم تستثمره هذه المؤسسات في سوق التمويل الأصغر بالمغرب، فإنها تحصل مقابله على ربح يتجاوز مليار درهم، أي نسبة تفوق 33 في المائة.
هل يساهم التمويل الأصغر في الحد من الفقر؟
رغم أن الخطاب الرسمي يتحدث عن أن قطاع التمويل الأصغر بالمغرب يساهم في تقليص الفقر من خلال “تمويل مشاريع صغيرة مدرة للدخل” ومحفزة لخلق فرص الشغل لصالح الفقراء، إلا أنه بحسب البحث يغيب أي إثبات يعضد صحة هذا الطرح بالمغرب، بل إن السلفات الصغيرة أصبحت بحسب الجمعية أداة لتكريس التفاوتات الاجتماعية وإغناء الرأسمال الكبير المالك للرأسمال المالي. فبواسطة هذا الرأس مال المالي المستثمر في التمويل الأصغر تستطيع الأقلية الغنية زيادة ثروتها عبر ترحيل أموال الفقراء إلى حساباتها الخاصة.
ورأت الجمعية أن منطق الربح الذي تشتغل وفقه مؤسسات التمويل الأصغر يتعارض مع منطق محاربة الفقر، فتطبيق معدلات فائدة فاحشة والذي يشكل ثمنا باهضا لربط ملايين الفقراء بالأسواق المالية وبالنوك تحديدا لا يؤدي في كل البلدان سوى إلى تكريس الفقر.
ورأت الجمعية أنه من الضروري وقف نشاط مؤسسات التمويل الأصغر وفتح تحقيق حول مختلف أشكال النهب والتعسفات التي تقترفها هذه المؤسسات في حق الضحايا.