تحقيق صحفي/ العائمين فوق كف عفريت

0

بحر الصحراء:

 

كل آسى وأسف نتذكر نهاية التسعينيات قوارب الموت وكيف أن الشباب المغربي يلقي بنفسه إلى البحر بحثا عن الفردوس المفقود، موهما لفهمه و تفكيره أن الحرية و الكرامة و العمل…هناك في الضفة الأخرى.

و اليوم هنا بجهتنا التاريخ يعيد نفسه بشكل كاريكاتوري، أسميهم العائمين فوق كف عفريت و يسميهم سكان مدينتنا ” الشنابرية” مشتقة من الكلمة الفرنسية air à Chambre التي تعني الإطار أو الطوق الهوائي.

شريحة من أبناء جيلي تركب أمواج البحر الأطلنتي بإطارات هوائية تجازف بأرواحها بحثا عن لقمة العيش، شباب أنهكته البطالة و آشتكى الجيران من إستنادهم الحائط و أتعبهم الجلوس في المقاهي بلا شغل و لا مشغلة، فقرروا إمتهان الصيد البحري المحرم منه و الغير المحرم بمركبهم المطاطي “شنبرير” ، ولعل المثل الشعبي ” الداخل إلى البحر مفقود و الخارج منه مولود ” كان أجدادنا يقصدون بالداخل إلى البحر إما بالمركب أو الزورق أو الباخرة و مع ذلك فهو مفقود، فماذا عن الشنبرير كوسيلة للإبحار فهو مفقود قبل الدخول.

أجريت حوار مع عينة من شباب العائمين على كف عفريت للوقوف على دوافع هذه المخاطرة، لمين 25 سنة حاصل على الإجازة في القانون العام يمتهن الصيد فوق” الشنبرير”.

سألناه : ألا ترى أنه لمن الجنون أن تلقي بنفسك لعرض البحر فوق هذا الإطار الأسود؟

الإطار، نخاطر بأرواحنا وكلنا يقين أن الأرواح بيد الله زد على ذلك أني تعبت من إجتياز المباريات بدون فائدة ومن مد اليد لأبي الذي لا يبخلني شيء.

و ماذا عن شروط الأمان في مهنتك هذه فمجرد ثقب في إطارك الهوائي قد يؤدي بك إلى المجهول، أنت عائم على كف عفريت!

لمين: أولا هذه ليست مهنتي أنا فقط أقنع البطالة ( نعدي بالنعالة لين يجي سباط) و هناك الكثير من الشباب حاصلين على شواهد عليا مثلي… ،

يسترسل ثقب في الإطار يجعلك عرضة لأي شيء أولها الموت غرقا و أقول لك شيء أخر، و نحن في البحر تبقى أرجلنا متدلية لثماني ساعات في المياه الباردة فنتعرض بذلك إلى تشنجات عضلية يستحيل معها توجيه الإطار الهوائي، و حينها التيارات البحرية تفعل فعلتها بنا ، تجرك إلى عمق البحر فنضطر إلى وخز أرجلنا بالسكين بشكل مستمر ليزول التشنج و قد لايزول لمدة ساعة.

أنت مجاز قانون تعلم أن الصيد بهذه الطريقة غير قانوني ماذا تفعل مع دوريات البحرية الملكية في حالة ضبطك و أنت تصطاد؟

نعم صيدنا غير قانوني لكن هو أحسن بكثير من السرقة و تجارة المخدرات و الأمور التي يجرمها العرف قبل القانون لدى مجتمعنا، أما دوريات البحرية الملكية فهي ما من مرة تضبطنا و نحن نصطاد فتأخذ صيدنا و كل ما لنا من أدوات الصيد.

و في بعض الأحيان يكون” الحوار الوطني” ( نقاشات حول القضية الوطنية و إتفاقيات الصيد البحري و الظروف الإجتماعية….) هو المخرج للحفاظ على أدواتنا مع شيء من التعاطف لأننا شباب لم نفعل شيء، سوى أننا بحثنا عن عمل أكثر أمانا و يوفر لنا الأمن الإجتماعي أي شروط العيش الكريم فلم نجد فمتهنا هذه الحرفة.

أحمد شاب بدور يمتهن هذه المهنة لمدة 3 سنوات هو “ولد الحرفة” كان يشتغل بحار في إحدى مراكب الصيد التقليدي يقول: أن صاحب المركب قام بكراء رخصة الصيد مما إضطره للبحث عن عمل في مركب أخر فلم يجد، فقرر أن يكون هو سيد نفسه حتى ولو على إطار هوائي ويضيف أنا اليوم أعمل طيلة السنة ليس هناك لا راحة بيولوجية و لا غيرها. ­

سألنا أحمد: عن صيده و كم يكسب من عمله هذا؟ قال : نحن نصطاد جميع أصناف الأسماك الرخويات و القشريات كل ما قد يذر علينا شيء من المال و أكسب حوالي 300 درهم في اليوم ، لكن الرابح الأكبر هو ” الكاشتور” أي الممون يشتري منا سلعة بثمن زهيد جدا لكونها صيد غير شرعي و يبيعها هو بطريقته لوحدات التبريد.

عدنا مع لمين في سؤال أخير: ماذا تطلب من السلطات المحلية و المسؤولين بجهة الداخلة ­ وادي الذهب كحل لشباب العائمين على كف عفريت؟

كما سبق و أن قلت لك أنا مجرد عابر سبيل في هذه الحرفة رغم أنها توفر شيء من الإستقرار المادي إلا أن بها الكثير من المخاطر، نطلب من مسؤولي جهتنا أن يقوموا بدمج هذه الشريحة حتى ولو في شكل تعاونيات بحرية، كل 6 أفراد في مركب للصيد التقليدي علما أن معظم ” الشنابرية ” شباب مهني بإمتياز وبهذا نقلل من الصيد غير شرعي و تهريب السمك الدي يذر أموال لا تستفيد منها خزينة الدولة.

المصدر : مجلة البحر
Leave A Reply

Your email address will not be published.