بحر الصحراء:
بقلم : غالي عبد الباقي
سجل التاريخ اليوم الجمعة بمدينة الداخلة فصلا مأساويا من مسرحية حزينة عنوانها اللامبالاة و الاحتقار التي يعامل بها المواطن البسيط من طرف الادارة العمومية و القائمين عليها.
فقد أقدم ربان السفينة كاريليا خالد قادر منتصف زوال اليوم بعد أن تملكه اليأس و الاحباط و ضاقت عليه الدنيا بما رحبت جراء لامبالاة و احتقار المسؤولين له و لمطالبه المشروعة طيلة إعتصامه المفتوح أمام مقر مندوبية الصيد البحري بالداخلة لأزيد من أشهر دون إبداء أي اهتمام أو وساطة بين الادارة و مشغليه السابقين.
خالد قادر إبن المضيق و الذي تنشق أكسجين الكرامة و الكبرياء بالصحراء لم يكن ليرضى بأن تمرغ كرامته في الأرض من أي كان ، فكان شعاره :”قطع الرقاب لا قطع الأرزاق”.
خالد قادر مواطن مغربي كغيره من أبناء هذا الشعب المقهور جراء البطالة و غلاء الأسعار ، متزوج و أب لابنتين ، ضحية حيتان كبيرة موغلة في الفساد بقطاع الصيد البحري.
هذا القطاع الذي بإمكانه أن يكون رافعة للتنمية بالجهة تحول بقدرة قادر و بتواطئ من القطاع الوصي ، إلى قطاع للريع السياسي و الاقتصادي قطاع تغولت فيه لوبيات الفساد و صارت كالأخطبوط بمئات الأيدي و الأرجل.
السؤال الذي يطرح هو أين كانت المصالح المعنية و أين كانت المصالح الولائية التي خرجت علينا ببيان جاف فاقد للروح حول الحادثة طيلة هذه المدة التي كان فيها خالد قادر يخوض معتصمه ، و يضطر إلى الدفع بزوجته للعمل بوحدات تجميد السمك ليجد ما يسد به رمق أبنائه.
اليوم الكثير من المواطنون يحنون لزمن الراحل ادريس البصري حينها كان لوزارة الداخلية معنى و دور و استحقت بجدارة أم الوزارات.
فقد سئل الوزير الراحل رغم اختلاف المغاربة على تقييم فترة حكمه مرة عن تعريفه لدور هذه الأخيرة فكان جوابه أنه ينطبق عليها ما جاء في آيتين من سورة الفيل :”أطعمهم من جوع و آمنهم من خوف”، فأول شيء يقرأه في الصباح هو نشرة أثمان السلع و الحرص على توفير الأمن للمواطنين.
و لأننا اليوم كما يتبجح البعض بمكر و دهاء و محاولة للهروب من المسؤولية في “دولة الحق و القانون” فإن جميع القطاعات المتدخلة ستتهرب من المسؤولية بحجة أن الموضوع لا يعنيها أو لا يدخل في اختصاصها.
و إذا ما أخذنا حادثة ربان “خالد قادر” فسنجد أن المصالح الولائية ستقول بأن الموضوع من اختصاص مندوبية الصيد البحري و هذه الأخيرة ستقول أنه من اختصاص مندوبية التشغيل و هذه الأخيرة ستقول بأنه من اختصاص القضاء، و إلى أن يتم تحديد الجهة المعنية لن يجد خالد قادر ما يسد به رمق أبنائه و سيتملكه اليأس و الإحباط و يقدم على ما فعله اليوم.
كنا نعتقد أن حادثة محسن فكري سماك الحسيمة أعطت القدوة و المثال لما يمكن أن يؤدي إليه استهتار المسؤولين بأرواح و المطالب الاجتماعية للمواطنين ، لكن يبدو أن الكثيرين منهم لا زالوا يسبحون ضد التيار.
الداخلة ميديا.